في حين لم يقتنع عماد بلقب الحنونة وهي المبالغة في اللطف والتواضع في زمن كثر فيه الانسلاخ بمجرد الضغط على زر متواصل لتستجاب دعوة التمرد ،ومم يلاحظ على الموضوع شخصيتين تتباين القيّم بينهما ،شابة تمثّل الأخلاق وشاب ينفي ذلك بحكم عمله في مكان أقلّ من ذلك كثيرا،فسعة فكر دنيا أحدثت في خواء عماد الاضطراب الكلّي،فأحيانا يأتي غريب يعلمنا أبسط الأمور التي لا ندركها،وعليه فالشخصية التي يمثّلها عماد هي هشّة نظرا لفقدانها التعاليم الأساسية منذ بداية الادراك ،في حين تشبعت بها الحنونة التي ساهمت في خلق الأثر من المحادثة الأولى،وترجمه عماد بالقلق والشكّ والابتعاد لنستنتج من ذلك وجود الثغرات في نفسيته ،ثم تعود إليه مجددا بطابع طيّب جبلت عليه فافتقادنا لبعض الشخصيات لا يعني بالضرورة حب بل الاهتمام هذا لأجل المنفعة أو من باب حسن التعامل وهذا ما ضاعف قلق عماد ،اكتشافه لفتاة مغايرة تماما لم عهده من الفتيات ،وهذا الغموض مرغوب في الاكتشاف ،ليترك الرسائل تعبر عن ذلك. وكما يقال وداوني بالتي كانت هي الدّاء فعماد ذهب مباشرة لاستفزازها كونها معجبة به واستعملت التمثيلية لتستقطب اهتمامه ،في حين خلق هذا عنصر المفاجأة عند دنيا كقارئة ضمنية وعند القرّاء لاحقا ،فها هي الآن أمام رمز يكبرها في التحليل فكلمة حانة يكفي أن نتركها كما هي لأنها لا تستحق الشرح من قيمة أخلاقية . لتأخذ بنا رفقتها إلى عالم من فوضى القيّم بين فكر راق حاول النصح وقلب شاب من قبل عن ذلك فصم ،ليدلف بنا عماد جزءا من عذاباته المتواصله ،ودنيا تسعى للفوز وانتشال هذه الجثة الغريقة لعلها تفلح في ايصالها إلى شاطئ به هواء يساهم في بعثه من جديد للحياة . وها هي برقة وبراعة المتشبعة من نور ربها توظف قوتها في استدراجه نحو جمالية الحياة وكرامة الأخلاق.
بل وحتى أن تنذر وقتها لتقديم يد طاهرة تمسح بها ضعف الوازع الديني الذي ابتلي به كثير من شباب وشابات اليوم ،فشرحت له قيمة الحياة ،والكرامة ،والنقاء،وحتى الحب هذه الكلمى التي يراها الجميع نزوة وشهوة ومتعة وخيلاء،فهذا النصح والاجتهاد في تنفيس هذا الشاب حب بشري سام لا بفقهه إلّا المؤمن. وها هو هذا السمو الذي تميزت به دنيا في احداث الترغيب في قلب عماد وحسن استماعه يقود إلى باب من أبواب الله ألا وهو المسجد والإمام والمصلح الذي أخذ بيد عماد ،وألبسه لباسا بهيا وهو لباس التوبة والصلاح بل واستبدال جسد وعقل طاهرين وعمل شريف رفقة شاب واضح و مثقف يحسن المعاملة،لنقلب صفحة من القصة بمتعة أكثر من وجع البداية وهذا من حسن أسلوب الكتابة الذي يعلوه السمو الأخلاقي وتشبع الكاتبة بالقيّم الاسلامية ويدعم قولنا الاقتباسات المدرجة والكلمات النورانية التي جادت بها. جميل هو عمل الكاتبة فقد نقلتنا من مفارقة الضّال إلى التائب ومن بؤرة احتقاره إلى كرم الاهتمام من قبل الإمام وولده زكي.
وما إن دبّ السكون في القضية ،حتى تمرّد الشعور ثانية فحيرة الإمام المبهمة جعلت خللا واضحا في القصة وقد دفع ذلك بالولد البار بتقصي ذلك،لم يهتد حتى سأل والده عن سرّ رفع يد الاهتمام عن عماد فاخبره عن خوفه من حقوق عماد المدنية ليجد في ولده بصيص أمل يخرجه من حيرته ويعرفنا بشخصية أخرى في القصة وهو حميد الذي بدوره بعد مداولة الحوار يعرفنا على شخصية رئيسة فعلا في القصة وهو المحامي رشيد خان ومن الملاحظ في هذا الفصل من القصة اشتمالها على صور بيانية غاية في الجمالية،وعليه تدعمت بشدة قصة الكاتبة بفضل سلاسة التعبير وجودته،وقد أفلح المحامي في منح عماد هوية تقيه شرّ الألسن وتمنحه ضوء التقدم . ثم تأتي الذكريات على وجه رحب يذكره بأول يوم زرعت فيه الفتاة الشك ليعانق اليقين ولجوء زكي إلى استفزاز عماد بالزواج والسكينة وبداية أخرى في عالم ملؤه الورع والطمأنينة.
ثم نكتشف براعة الفصل والوصل والعقد والحلّ في القصة فهاو زكي يصل الأمر الذي فصله عماد بالتفكير في دنيا الحنونة،إلى وصل زكي بمعرفة تفاصيل هذه الفتاة لتنتج لنا المحاولة على اكتشاف شخصيات ثانوية أخرى ،فسمية ساهمت في ربط المنقطع من القصة،وصولا إلى بيت والد دنيا وقبول خطبة الإمام خطبة الفتاة وتذليل الوالد لصعوبة الطلب ،وموافقة دنيا على الشاب الذي أتت به إلى عالم النور وهي أحق به من غيرها من النساء،احاطة شاملة بالعائلات والعادات والأماكن المذكورة،ثم نلج رفقة الكاتبة حفل الخطبة من حيث هدوء التحضيرات إلى عقدة الوالدة التي صدمت برؤية عماد ،كما لم يفهم الحاضرون ساعتها كنه هذا الغياب عن الوعي يحمل وراءه هول التفسير ،مرت اللحظات وفسّرت الخالة سبب ذلك لتأخذنا في رحلة اكتشاف عن والد عماد والذي كان زوجها السابق وأن عماد نسخة له مم أدى إلى انبثاق رحلة أخرى للبحث عن وجه الحقيقة ووالد عماد وما هي تحريات حتى ولج الوفد كوخا لوالد عماد الذي لم تجمعه به الحياة يوى لحظات بسيطة ليخر ميّتا وآخر دعواه طلب العفو من ابنه بعد الاقرار بذلك،ولم تتوقف عقدة القصة هنا بل تضاعفت لحين محاولة الإمام وزكي الاستمرار في قضية تزويج عماد من محبوبته ليقفا أمام القدر الصادم مرة ثانية على لسان العم جمال الذي بسّط لهم استحالة ارتباط الثنائي لأنهما من صلب واحد ،لتحلّ القصة على وجع عماد الذي سافر نحو بارئه يشهده بالوحدانية كآخر كلمة قالها في دنياه،وها هي الأخوة التي بدأت حبا وانتهت بالحب ،فالحب لا يجمع العشاق فقط ،بل يجمع المحب والأخ والناصح وغير ذلك. قصة هادفة ،تناولت أخطر القضايا الاجتماعية في زمننا الراهن ،مختصرة ومدعمة باقتباسات دينية وقيّم خلقية،أحسنت الكاتبة تفصيلها وترقيعها وبعثها لنا في حلّة مشوقة بعيدا عن الاسهاب والملل. كما هناك بعض الاشارات حول بعض الأخطاء المطبعية وأخطاء وقعت سهوا لا تفقد العمل جماليته. هنيئا للكاتبة بهذا العمل الأدبي الرائع وتمنياتي لها بمزيد من الانتاج الطيّب
. بقلم: هاجر بن جمعة/70-03-2018 الجزائر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق