احمد ياسين

الكتابة هي أن تترك بعضك على الورق، والفلسفة هي أن تبحث على بعضك الضائع، هنا أحاول الجمع بينهما باحثا وتاركا...شاركوني

حصري

Post Top Ad

Your Ad Spot

الأربعاء، 10 يوليو 2019

الأستاذة هاجر ورواية " قسوة أب"، قراءة في الرواية

دراسة في رواية
قسوة أب من الغلاف للعنوان تختصر الحكاية بلون أسود قاتم يغلبه اللون البنفسجي الذي يبعث بالأمل ومشاعر الأنثى الراقية،قدمت الكاتبة والقاصة المتميزة آسيا غماري حكاية إجتماعية غاية في الروعة والحبكة والجمالية بين الزمان والمكان بين بطل هو نفسه الشرير بالنسبة لفتاة تحلم به دائما بطلها المغوار وحبها الوحيد ،بدأت وليدة بين كف من نار يقلب فؤادها وفؤاد أمها وأختها ليقتل فيها الأحلام موظفة رمز الضعف بلباس قوي ومتين لا تشوبه شائبة،وبين اصرار وعزيمة كبرت نورة على حب العدل لا حب الانتقام ،والد غائب ووجع لا يفارق وجه بريئة أنجبت البراءة فاغتالتها بصمتها أكثر وغصبتها حقوقها مجبرة ،أم تحت سوط الجلاد بدل الفارس ومحقق الأحلام،وذكية تقارن بين الناس وحالتها،هكذا نشأت نورة وسط حزام ناسف متجدد كل حين بل وعمّق الثغرة بين حلم صبية والمدرسة والجامعة ،باسلوب ماتع يرغم القارئ على متابعة حيثيات الأحداث،وتمكن يدل على براعة القاصة ولم يتوقف البناء الخارجي عند هذا الحد فقد تميز بجودة الترتيب والتلاعب بالزمن بين الذكريات والواقع وبين الحقائق والبدائل فنورة الصغيرة التي ارادت تطبيق عناقها نحو والدها الشرير تصطدم برفضه ذلك بل وزجرها عنه،تركها تخيطه في صمت معطفها القاسي ليحميها هجمات المجتمع التي لا ترحم الضعف ولا تقدم المساعدة والدعم.
إلّا أن صاحب العلم يقدر دور المتعلم المجتهد لتجسد مبادرة الجيران وأصدقاء نورة بالمدرسة بقاء قيّم باتت باهتة في مجتمعنا هذا،ثم تصور خطوات نورة في مجتمع آخر في عالم آخر بنظام لغوي راق جدا لا يبعث على الملل والتقطع وهي من فنيات السرد الناجح.
كما لم تهمل القاصة الوصف سواء للأماكن والشخصيات خاصة بطلة القصة لتكسيها حللا وملامح تجعل القارئ اليقظ يصورها ذهنيا بنجاح تام.
ومن الملاحظ في الرواية الدقة والتوازن وسلامة اللغة إلى حد كبير جدا،فالتصوير القصصي لفتاة انتقلت منةضيق الكوخ إلى سشاعة المدينة ،الجامعة،والإقامة الجامعية،وحتى الشوارع وأصناف جعل منها مفكرة وقوية معتمدةةعلى نفسها بل وجعل منها مجسّدة لتلك القوة حين قامت بانقاض كنزة من كيد شاب تربص بها لتجسد أول عدل على صحيفتها بل وأول اختيار لقوتها النفسية والجسدية وكذلك اتصالها آليا بقلب قدمت له معروفا،لتجازيها كنزة بالمودة والعطف والصداقة والدعم.
وكذا إشادة أساتذتها بنشاط واجتهاد نورة ونبهاتها بل ومن نبل خلقها الذي تعلمته تلقائيا من بيئة لا ترحم ممّا جعلها تعتمد على نفسها وتجد لنفسها عملا تسد به باب الشفقة والسؤال ومن هناك بدأت علاقتها بالبشر فمن قبل جسّد والدها صورة العالم في نظرها خاصة صنف الذكور.
ثم بدأت تحليل الواقع من الرمزيات الموظفة فالأخ رمز للحماية ووالد كنزة رمز للسعادة وخليل رمز للانسانية والذي قدم لها بابا ساهم في نجاحها كثيرا ولم يتوقف عند ذلك الحد بل كان السند دائما والمنقذ والمنفذ نحو الراحة.
ومن الملاحظ على أسلوب الكاتبة إدراجها لصور فنية راقية كصورة الفتاة المنقذة وصورة حب الأخ لأخته وكذلك صورة جمال الفتاة والمرض يرسمها في أبهى صورها.
ومن اجمل الصور في النص صورة الحضن الذي قدمته كنزة لنورة وكأنه المفتاح الذي جعل قلبها يدق بالشكل الصحيح أو أنهما قطعتان لعملة واحدة كما ادرجت الكاتبة ذلك في قصتها الرائعة.
ثم تعود بنا بعد فرح وسعة إلى ضيق وغم بموت الأخت الكبرى وألم أكبر وتهديد آخر بالحبس الأبدي وكسر الأحلام وتمزيق الطرق المؤدية إلى ذلك وما لفت إنتباهي التراص الدقيق بين القصة والتساؤلات التي يشترك فيها القارئ مع بطلة القصة فرغم أنها فتاة صغيرة كانت تريد اكتشاف قسوة أبيها واكتشاف


سر موت أختها ،وقد شاركناها السؤال وفي زمن مماثل،ثم تكتشف رحمة القدر بها برزق دفين يساهم في دفعها نحو النجاح رغم الرضوض والكسور النفسية ،لتجد نفسها تعيش الغربة مرتين مرة بكوخ أو السجن كما تراه ومرة في شوارع المدينة النائم ضميرها،وكما هو متوقع فالله لا يظلم الناس إذ يرسل من فيض رحمته خليلا ليترك لها العيادة مبيتا آمنا يقيها البرد وقسوة العالم.
ثم عزمها واصرارها على المواصلة لنيل الحق الذي يحررها ويحرر والدتها من بطش أبيها بل وتقتص لموت أختها التي ذهبت ضحية والد أعمته البصيرة عن جزء من جسده
ومن الملاحظ على القصة أن بنياتها حملت عدة نقاط قوة وبتواتر جميل يتخلله حل وعقد للاحداث وتصوير لمثابرة فؤاد لنيل قلب نورة ومجاهدة خليل للفوز كذلك بها وعزمه الصادق بالتضحية من أجل سعادتها .
ثم تأتي على مشارف القصة صور راقية ورائعة ومؤلمة معاشة ذهنيا ،فعندما نالت نورة حلمها بتحد واجتهاد واشراف من قبل محبيها كنزة وفؤاد وخليل نالت مكانتها وقامت بما يجب فجلبت والدتها إلى المدينة بعدما نالت آخر قسط من العذاب وبتدخل من خليل لتسكن والدتها فرحة زمن أنساها ما مر،ثم تتطور الأحداث حين قرر فؤاد خطبتة محبوبته واكتشاف والدة نورة حبها لخليل وهو واضح في حين أصّرت على فؤاد كحبيب،ليقوم المضحي خليل بتقديم حبيبته قربانا أو بالأحرى تقديم قلبه قربانا لفرح حبيبته.
ويتدخل القدر وهو دائم السريان بحكم سماوي دقيق ليكون الخاطب نفسه الشرير الذي سلب فرحة نورة التي رأت حماها صورة عن ولده وهو في الحقيقة والدها الذي جسّد الجنس الذكوري في صورتين متناقضتين وتحقيق أن الحكمة الالهية حق يتبع وأن الله لن يجمع أخوين في حق شرعي مناف للقوانين ،لتبدأ قصة منبثقة عن القصة الأم لترسم عنوانها في جميع المراحل قسوة الأب الذي كان جوادا وعطوفافي جهة ما رفقة زوجته ،وشريرا وبخيلا مع ضعاف لا قوة لهم وبدل أن يكون بطلهم الذي يحميهم كان الرعب الذي يسكن صدورهن وخاصة أنهن نساء لتكون الحقيقة مرة أخرى نصفها موت ونصفها الآخر حياة،فلولا ظلم جد نورة الذي الصق التهمة بوالدها وانه حاول الهرب مع ابنته وقام بضربه وتزويجه إياها غصبا لينشأ بذلك علاقة بعض وانتقام بدل أن تكون رحمة بامرأة لم تكن تملك سوى الصمت لتعيش وتحمي رأسها من القطع وبين رجل ترك زوجته وعائلته ليقضي عمره بين شقين بين زوجة يحبها وأبنائه وبين ثمن خطوة يدفع أجرها طول عمره ولا ينفك منها.
ليخرج صفر اليدين من باب ضيق وخيبة أمل ليفك ألغاز القارئ جميعا وخاصة نورة التي بحثت عن الحقيقة طويلا لتكتشفها بطعم مر لم تتوقعه.
ثم من ناحية أخرى تلوح خيوط الفرح من جديد حين قرر خليل الإرتباط بمحبوبته وتعويضها وجع السنين،ولم تكن نورة قط رمزا للقسوة بل كانت تحاول فهم الحياة بشعور أنثوي راق فتلمحيها لحب فؤاد إذا كان يشبه في حنانه والده،وشراءها ساعة اليد لوالدها،بل وشوقها لرؤيته وكل التفكير الذي كانت تفكر به دليل على دفء مشاعرها وحلمها بكسر ذاك السواد الذي يفصلها بين حقها كبشر وحقها كبنت وحبها لخليل دليل على سلامة فطرتها وأن الحياة وإن ألبستها  الثياب البالية لن تمنعها من الأحلام الجميلة بل وجسدتها حين ساهمت في مساعدة والدها بعدما فتك به المرض والقاء درس في العاطفة نحو عائلة ذاقت جميله فانكرته في لحظة في حين لم تنكره قط كوالد لها لتلقنه بطريقة ما درسا في الحياة وتعكس بذلك قيمة العلم والحلم وأن عفو الضعيف عن القوي ليسا ضعفا بل هو القوة عينها .
وفي الأخير تخرج بنا القاصة إلى باب فرح نورة وزواجها من خليل.
القصة ممتعة رغم الوجع ومن العاطفة الصادقة وما تحمل حد التأثر لأن القارئ ينصهر في بنيات الأسلوب الراقي وخاصة فصاحة الكاتبة ودقة الوصف المتبعة ضمن سطور القصة ،وهي من بين الأعمال المميزة التي جعلتني اقرأها بتمعن وانبهار للتنظيم المدرج فيها ومن الملاحظ خلوها من الأخطاء إلا ما جاء سهوا ولا يؤثر البتة على تميز العمل،ويسعدني أن تقع أعمالها القادمة على طاولة فكري.
بقلم: هاجر بن جمعة/الجزائر
10/01/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot