احمد ياسين

الكتابة هي أن تترك بعضك على الورق، والفلسفة هي أن تبحث على بعضك الضائع، هنا أحاول الجمع بينهما باحثا وتاركا...شاركوني

حصري

Post Top Ad

Your Ad Spot

الأحد، 1 سبتمبر 2019

رحلة الكتابة بين القيد والتحرّر

تعتبر الكتابة من الأمور التي نعجز عن تحديد مفهوم واضح لها، فهناك من يراها تقييدا للإنسان، فيقول له قيّد مقالة تعالج فيها الموضوع الفلاني، ويقصد بقيّد " أكتب"، وهناك من يراها تحرّرا وهروبا من كل القيود، فيقول لك حرّر مقالة تعالج فيها القضية الفلانية، ويقصد بحرّر "أكتب" وبينهما تقف أنت الجديد على الكتابة، متخبّطا بين التحرر والقيد، هل أكتبها هكذا؟ لكن لماذا لا أجرّب حظّي وأكتب متحرّرا من كل شيء؟ ماهي الكتابة؟ هل هي أن أكونني أنا بكل خيباتي ونجاحاتي؟ أم أن أغترب عنّي وأصبح الآخر وأفهمه؟ لماذا يخفق الكثير منا في الكتابة وينجح القليل؟

يهتم غالبتنا بالكتابة خاصة بعد شيوع مواقع التواصل الاجتماعي التي فجّر بعضها التحرر وقيّده البعض الآخر، ولك في الفايسبوك وتويتر مثال على ذلك، فتويتر تقيّد مستخدميها بعدد أحرف معيّن في كلّ تغريدة يكتبونها، بينما تفتح فايسبوك النطاق للجميع بالمشاركة، في الحقيقة هذا لا يهمنا في تدوينتنا هذه، بل المهم هو أن نتفق على أنّ الكتابة قيد وتحرّر في الآن عينه، فلو لم أحترم قواعد اللغة العربية الآن لما استطعت أن تقرأ هذه التدوينة، ومع ذلك أنا أعبّر بكل حرّية عما يجول في خاطري.
نفس الشيء ينسحب على الكتابة الابداعية في الغالب، فنحن نحترم القواعد العامة لكتابة قصة أو رواية أو نص سردي، لكننا في فعل الكتابة نسمح لذواتنا بالتعبير عما يجول بها، فمنها ما يرتقي إلى الذات الجامعة الانسانية، ومنها ما يبقى حبيس الذات الفردية، مما قد يعيق بلوغ المعنى للمتلقي، ويتركه متعلّقا ومربوطا بكاتبه فقط، فالكاتب إذن شخص لابد أن يتمتع بقدر من الانسانية ونظرة إلى الآخر، ومحاولة فهمه وتصرّفاته، كأن يتساءل عن أسباب تلذذ الانسان بايذاء نفسه مثلا؟ أو إيذاء الآخر في الحرب؟ وغيرها من الملاحظات التي تجعله يتحرّر من ذاتيته إلى ذات أكبر هي الذات الانسانية الجامعة، وتحرّره من ذاته لن يكون شاملا في نظري، لأنّ أناك هي الأخرى ملتصقة بالأنا الانساني الجامع، أي أنّ الكتابة ليست موتا بقدر ماهي حياة جامعة، يجتمع فيها التناقض ( بين الحرب والسلام، بين الحب والكره، بين الصدق والكذب، بين الانساني واللاانساني)، ففي محاولتك التحرر من كل قيد تقيّد بقيد آخر تسميه عنوة التحرر، فنحن في الأخير كائنات تحيط بها قيود لم تفهمها بعد ( كالله، الملائكة، الغيب، الحب، الروح ...إلخ)، وهذا ما يجعلنا نجرّب الحياة على الورق.
الكتابة لصيقة بنا إلى الحد الذي يجعل كثيرين يجزمون بأنّنا نستطيع قراءة شخصية الفرد من الكتابة وتوقيعه فقط، كعلم الجرافولوجي، وهناك من يرى أنّ الكتابة مجرّد تحرير بسيط، ويمكن لأيّ كان تعلّمه، وهذا ما يجعل الكتابة مزيجا من كل ما سبق من ترادفات وتناقضات، وتمايه...ومع ذلك وبعد كل ما ناقشناه لازلت أقول اللعنة ماهي الكتابة؟؟
أحمد ياسين: 01/09/2019 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot