القارئ الأحمق وسفينة الحمقى
في كتابه " تاريخ الحمق في العصر الكلاسيكي" ( يمكنك تحميله من هنا) والذي قسّمه ميشل فوكو إلى 3 أجزاء في كل جزء 5 فصول إلا الجزء الثاني فيه 4 فصول، ما يهمنا من هذا الكتاب هو الفصل الأول بعنوان " سفينة الحمقى"،يتحدّث فوكو في كتابه عن الحقيقة الحقيقية للجنون، إذ يرى أنّ الجنون ساد على الحياة الغربية منذ العصر الحديث، لهذا فقد انتشر الجنون بكل أنواعه، من أصغر جنون وهو الجنون النفسي السيكولوجي إلى أكبر جنون وهو الجنون الديني الانطولوجي، الجميع أصبح مجنونا.
ولأنّ ميشال فوكو هو الآخرعانى من الجنون بل دخل إلى مصحّات عقلية وتفوّق عليها وشفي، فهو يرى أنّ الجنون معرفة مبهمة مغلقة وعميقة، تحتاج لقراءتها واستنطاقها، لهذا يسير في بحث عن السلطة والمعرفة.
فكو يسير في هذا مسيرة بوش في لوحته الشهيرة، التي يصوّر فيها سفينة المجانين كما يبدأ فكو كتابه " تاريخ الجنون"، والجميع يتفّق على أنّ القارئ الأحمق هو الذي يوصلنا إلى ركوب سفينة الحمقى، التي ليس لها قبطان، يشبه مانتيشوك ومحاربته للطواحين الهوائية، فالجنون تسلّل للأدب والفن والسياسة، ويحاول فكو أن يميّز بين هذا المجنون المريض والمجنون الشاذ والمسرحي...إلخ.
عنوان الفصل ـ أقصد سفينة الحمقى ـ مستوحى من كتاب لسيباستيان برانت (1458-1521 م)، والذي يدور حول مدى حماقة البشر، في قصّة متخيّلة لرحلة بحرية خيالية لـ112 من الحمقى من كل نوع، كل منهم يمثّل نوعا من التصرّفات البشرية، وهم متّجهون إلى الأرض الموعودة " ناراغونيا" أو فردوس المغفّلين، ويقود هذه المجموعة من الحمقى، قارئ أحمق، مقتنع بسعة علمه، ينخرط في ملاحقة الذباب الذي يطن حول كتبه المكدّسة في مكتبه، والتي لا يقرأ منها شيئا، ويتواصل مع الحمقى الآخرين من خلال إرسال رسائل لهم في ورق عبر باب من أبواب الكوة في السفينة التي لا يقودها أحد، إلى أن تأتي عاصفة وتنشب حرب بين الحمقى فيمن يقود السفينة، فالمتديّنون يأخذون بالركوع والطلب من الاله أن يقودها لوحده، بينما يذهب الحداثيون إلى التنازع ديموقراطيا لاختيار من يقود السفينة، ويبقى الوسطيون بين الهوتين محاولين ردع الصدع بين المتخاصمين.
تجسّدت هذه القصّة في لوحات تفنّن هيرونيموس بوش في رسمها، والتي تجسّدت فيها القصة الأسطورية في نظر برانت، والتي يرى فوكو أنّها موجودة على الواقع، ويتم إرسال المجانين فيها. كل هذا بسبب القارئ المجنون الذي يظن أنّه يعرف كل شيء بينما لا يعرف شيئا، ولا يتعب نفسه، فبارت في كتابه سفينة الحمقى لا ينتقد الحماقة الانسانية بقدر ما يتنقد استمرار الانسان ( خاصة القارئ الأحمق) في حماقته التي لا يعرفها، ويجهلها أو يتجاهلها في غالب الأحيان.
توضّح لوحة بوش كيف أنّ السفينة تسير على نهر مما يحيلنا إلى تمثّل السيولة، كما أنّ السفينة ليس لها ربّان بل هو قد قفز لينقذ أحد المجانين الحمقى الذي سقطوا في عرض البحر، وبينما السفينة تواجه خطر الغرق يستمر الانسان في جنونه.
كل هذا يشبه إلى حدّ بعيد حقول الثقافة والمعرفة التي يبحر فيها الانسان وكأنّه يفهم كل شيء، ظانا أنّه قارئ جيّد بينما ليس إلا قارئا مجنونا، فهل أنت قارئ مجنون؟؟ تأكد فقد تكون كذلك....
مراجع معتمد عليها:
أحمد ياسين 05/09/2019
04:52
![]() |
ميشل فوكو: لمعرفة المزيد تجدونه على الويكابيديا |
في كتابه " تاريخ الحمق في العصر الكلاسيكي" ( يمكنك تحميله من هنا) والذي قسّمه ميشل فوكو إلى 3 أجزاء في كل جزء 5 فصول إلا الجزء الثاني فيه 4 فصول، ما يهمنا من هذا الكتاب هو الفصل الأول بعنوان " سفينة الحمقى"،يتحدّث فوكو في كتابه عن الحقيقة الحقيقية للجنون، إذ يرى أنّ الجنون ساد على الحياة الغربية منذ العصر الحديث، لهذا فقد انتشر الجنون بكل أنواعه، من أصغر جنون وهو الجنون النفسي السيكولوجي إلى أكبر جنون وهو الجنون الديني الانطولوجي، الجميع أصبح مجنونا.
ولأنّ ميشال فوكو هو الآخرعانى من الجنون بل دخل إلى مصحّات عقلية وتفوّق عليها وشفي، فهو يرى أنّ الجنون معرفة مبهمة مغلقة وعميقة، تحتاج لقراءتها واستنطاقها، لهذا يسير في بحث عن السلطة والمعرفة.
فكو يسير في هذا مسيرة بوش في لوحته الشهيرة، التي يصوّر فيها سفينة المجانين كما يبدأ فكو كتابه " تاريخ الجنون"، والجميع يتفّق على أنّ القارئ الأحمق هو الذي يوصلنا إلى ركوب سفينة الحمقى، التي ليس لها قبطان، يشبه مانتيشوك ومحاربته للطواحين الهوائية، فالجنون تسلّل للأدب والفن والسياسة، ويحاول فكو أن يميّز بين هذا المجنون المريض والمجنون الشاذ والمسرحي...إلخ.
عنوان الفصل ـ أقصد سفينة الحمقى ـ مستوحى من كتاب لسيباستيان برانت (1458-1521 م)، والذي يدور حول مدى حماقة البشر، في قصّة متخيّلة لرحلة بحرية خيالية لـ112 من الحمقى من كل نوع، كل منهم يمثّل نوعا من التصرّفات البشرية، وهم متّجهون إلى الأرض الموعودة " ناراغونيا" أو فردوس المغفّلين، ويقود هذه المجموعة من الحمقى، قارئ أحمق، مقتنع بسعة علمه، ينخرط في ملاحقة الذباب الذي يطن حول كتبه المكدّسة في مكتبه، والتي لا يقرأ منها شيئا، ويتواصل مع الحمقى الآخرين من خلال إرسال رسائل لهم في ورق عبر باب من أبواب الكوة في السفينة التي لا يقودها أحد، إلى أن تأتي عاصفة وتنشب حرب بين الحمقى فيمن يقود السفينة، فالمتديّنون يأخذون بالركوع والطلب من الاله أن يقودها لوحده، بينما يذهب الحداثيون إلى التنازع ديموقراطيا لاختيار من يقود السفينة، ويبقى الوسطيون بين الهوتين محاولين ردع الصدع بين المتخاصمين.
![]() |
لوحة هيرونيموس بوش التي تمثّل سفينة الحمقى. |
![]() |
هيرونيموس بوش طالع عنه أكثر من هنا |
توضّح لوحة بوش كيف أنّ السفينة تسير على نهر مما يحيلنا إلى تمثّل السيولة، كما أنّ السفينة ليس لها ربّان بل هو قد قفز لينقذ أحد المجانين الحمقى الذي سقطوا في عرض البحر، وبينما السفينة تواجه خطر الغرق يستمر الانسان في جنونه.
كل هذا يشبه إلى حدّ بعيد حقول الثقافة والمعرفة التي يبحر فيها الانسان وكأنّه يفهم كل شيء، ظانا أنّه قارئ جيّد بينما ليس إلا قارئا مجنونا، فهل أنت قارئ مجنون؟؟ تأكد فقد تكون كذلك....
مراجع معتمد عليها:
1- كتاب تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي لميشال فوكو.
2- سفينة الحمقى كتاب لبرانت.
3- تعريف بعض الشخصيات من ويكيبيديا.
أحمد ياسين 05/09/201904:52
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق