أحلام من زبد عنوان العمل الأدبي لربيعة حام كأول مولود يزين بين ضلوع الكتاب الورقي،اختارت العنوان المشوّق أحلام من زبد والذي يحمل عدّة دلالات تقرأ على حسب وقع الحدس الأولي للقارئ، والذي تبادر إليّ من رمزيته أن الأحلام التي تأسرنا في لحظة ضعف هي كرغوة البن واللبن والعسل هي من تزيد المنظر بهاء فلذا أحلام الزبد هذه عبارة عن حلم رسمته البطلة على أنقاض نفس تكبدت المعاناة في الوصول لنهاية جميلة مرورا بالتصبر والأمل وهو الذي فصلته الكاتبة في ظل السردية الخارجية للراوية والتي تركت الشخصيات هي التي تحرك بنيات العمل ،لذا فارتباط الحلم مع الزبد يشكل الضعف في التحقيق والبعد الواقعي له،فنحن نقول على الأمور التي لم نصلها ولا نصل إليها أنها أحلامنا فكيف إذ كانت من زبد ؟لتأخذ بذهننا القاصة إلى فصول العمل لتفصل لنا المبهم من العنوان والعمق من الجسد القصصي فهذه أحلام التي تحدثت عن أحلامها البائسة والتي ضربت بكف من وجع بداية من خطيب تفسخ فرحها بمجرد معرفتها لفارسها إسماعيل ولم تتوقف عنده لتبني حلما من قاعدة بل بدأ الزبد في الجفاء لتترك إسماعيل يطرق باب الحزن فيعتكف الوحدة وخاصة من حيث نشأته وهو مبعد عن الحرية والشقوة الشبابية ،وهنا نرى قيمة اخلاقية في جمالية النشأة وحسن التصرف،وأيضا ساقت لنا قيمة اجتماعية متمثلة في حرص الأولياء على توجيه أبنائهم في الدراسة وفق رغباتهم هم لا رغبات أبنائهم وهي من أبرز مشاكل ومعاناة الشباب ،كما نجد قيمة ثانية في الاجتماع وهي الطبقية فالولد المدلل الثري بالضرورة يجب أن يكون مصاحبا لأمثاله مترفعا لا سهل الوجه ليّن القلب ،إلا أن إسماعيل كسر القاعدة في كلية الأدب لينزل من الأناقة والفخامة إلى منصة الإقامة شعرا ومتعة،ومن قصر والديه إلى غرفة إقامة مربعة الشكل يتقاسم الهواء النقي مع غيره ،ومنه تعلم أن الطبقية لا تفيد بل الإنسان مجبر على السير بفطرته التي جبل عليها.
فمساندته لصديقه أحمد هي دليل نقاء السريرة والوصول إليه في وعورة الجبل تذييل لوعورة المشاعر بين النّاس،كما ضرب لنا البطل أروع المشاهد في تقبله مرضه ،ولم يكن عائقا بينه وبين الحياة والنجاح وحب الاستمرار،وجميل أن تكون الشخصية الرئيسة تمثل الأخلاق فهذا الولد البار لم يجعل مرضه هاجسا في حياة والديه أو أصدقائه المقريين ،في حين مثلّت أحلام دور الضحية في كل الأحوال فوقوعها في يد ابن عمة لم يتفهم مشاعرها والتي تعد من حقوق المرأة شرعا أن تقبل أو ترفض الخاطب مودة لا فرضا من الجهل،إلى أن يرسم القدر خطة بديلة توزع دور العقدة في أن تكون حفلة الخطوبة هي حفلة انفصال فمحمود الذي كان بالأمس فرحا أصبح من التعساء، بيد أن إسماعيل الذي دهش وتألم أصبح على موعد مع شبه الفرح ،لتصرّ أحلام على التبرير فكان على إسماعيل دفع الضريبة مجددا ،وهكذا هم العشاق يموت أحدهما ليعيش الثاني بنصف الروح،لتكشف في نهاية الحل القصصي معرفة الوالدين بمرض ابنهما الذي جاء بعد صبر طويل ليرحل في صمت كسير، على دموع مودعة أصرّت أن تمنحه نفسها ليستمر ،لكن النهاية المفتوحة للقارئ تدرك حجم الصراخ إعلان عن النهاية الحتمية فمرض اسمه السرطان لا يرحم الطيّب ولا القبيح،ومن الملاحظ على بنيات النص فصاحة القطع مع تخللها بومضات شعرية زادت النص بهاء ،ومنه يعبر بالضرورة على كاتبة شابة وطموحة اجتماعية تناولت في عملها موضوع طموح الشباب ومشاكله بين الرغبة والواقع متمثلا في الدراسة والميول الفكري ومعارضة الأولياء ،وبين الحب والطبقية والعادات ،فأحسنت الكاتبة في ضخ النص لقرائها فهو قصة جيب ممتعة وشبابية،وكما نرى الملاحظة الدائمة خلو الكتب من التنقيح فهناك بعض الأخطاء المطبعية وأخرى تركيبية تحتاج إعادة نظر في الطبعات الأخرى إن شاء الله،ومع خالص التمنيات للكاتبة أن تشاركنا بمولود آخر في غاية القوة والمتعة وجميل أن يخدم الشباب نفسه بمناقشة مشاكله كتابيا وبلغته الأم. مع خالص الاحترام لكلّ الأقلام الشابة المحلية. هاجر الشلف 8-5-2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق